سورة يوسف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{اقْتُلُوا يُوسُفَ} اختلفوا في قائل هذا القول؛ فقال وهب: قاله شمعون. وقال كعب: قاله دان.
{أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} أي: إلى أرض يُبْعَدُ عن أبيه. وقيل: في أرض تأكله السباع.
{يَخْلُ لَكُمْ} يخلصْ لكم وَيصْفُ لكم. {وَجْهُ أَبِيكُمْ} عن شغله بيوسف، {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ} من بعد قتل يوسف، {قَوْمًا صَالِحِينَ} تائبين، أي: توبوا بعدما فعلتم هذا يعفُ الله عنكم. وقال مقاتل: يُصْلِحْ أمركم فيما بينكم وبين أبيكم.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} وهو يهوذا، وقال قتادة: روبيل، وكان ابن خالة يوسف، وكان أكبرهم سنا وأحسنهم رأيا فيه. والأول أصح أنه يهوذا، نهاهم عن قتله، وقال: القتل كبيرة عظيمة. {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} قرأ أبو جعفر، ونافع: {غيابات الجب} على الجمع في الحرفين، وقرأ الباقون {غيابة الجب} على الواحد، أي: في أسفل الجب وظلمته. والغيابةُ: كلُّ موضعٍ ستر عنك الشيء وغيَّبه. والجُبُّ: البئر غير المطوية لأنه جُبَّ، أي: قطع ولم يطوَ.
{يَلْتَقِطْهُ} يأخذه، والالتقاط: أخذ الشيء من حيث لا يحتسبه، {بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: بعض المسافرين، فيذهب به إلى ناحية أخرى، فتستريحوا منه، {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي: إن عزمتم على فعلكم، وهم كانوا يومئذ بالغين، ولم يكونوا أنبياء بعد.
وقيل: لم يكونوا بالغين، وليس بصحيح؛ بدليل أنهم قالوا: {وتكونوا من بعده قوما صالحين}.
{وقالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا} والصغير لا ذنب له.
وقال محمد بن إسحاق: اشتمل فعلهم على جرائم من قطع الرحم، وعقوق الوالدين، وقلة الرأفة بالصغير، الذي لا ذنب له، والغدر بالأمانة، وترك العهد والكذب مع أبيهم. وعفا الله عنهم ذلك كله حتى لا ييئس أحد من رحمة الله.
وقال بعض أهل العلم إنهم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم، ولو فعلوا لهلكوا أجمعين، وكل ذلك كان قبل أن أنبأهم الله تعالى.
وسئل أبو عمرو بن العلاء: كيف قالوا {نرتع ونلعب} وهم أنبياء؟ قال: كان ذلك قبل أن نَبَّأهم الله تعالى، فلما أجمعوا على التفريق بينه وبين والده بضرب من الحيل.


{قَالُوا} ليعقوب، {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} قرأ أبو جعفر: {تَأْمَنَّا} بلا إشمام، وهو رواية عن نافع وقرأ الباقون: {تَأْمَنَّا} بإشمام الضمة في النون الأولى المدغمة، وهو إشارة إلى الضمة، من غير إمحاض، ليعلم أن أصله: لا تأمنُنا بنونين على تفعلنا، فأدغمتِ النون الاولى في الثانية، بدؤوا بالإنكار عليه في ترك إرساله معهم كأنهم قالوا: إنك لا ترسله معنا أتخافنا عليه؟.
{وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} قال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير، وذلك أنهم قالوا لأبيهم: {أرسله معنا} فقال أبوهم: {إني ليحزنني أن تذهبوا به} فحينئذ قالوا: {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} النصح هاهنا هو: القيام بالمصلحة، وقيل: البر والعطف، معناه: إنا عاطفون عليه، قائمون بمصلحته، نحفظه حتى نردَّه إليك.


{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا} إلى الصحراء، {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} قرأ أبو عمرو، وابن عامر، بالنون فيهما وجزم العين من {نرتع} وقرأ أهل الكوفة بالياء فيهما وجزم العين من {يرتع} يعني يوسف، وقرأ يعقوب: {نرتع} بالنون {ويلعب} بالياء.
والرتع هو: الاتساع في الملاذ. يقال: رتع فلان في ماله إذا أنفقه في شهواته، يريد ونتنعم ونأكل ونشرب ونلهو وننشط.
وقرأ أهل الحجاز: {يرتع} بكسر العين، وهو يفتعل من الرعي.
ثم ابن كثير قرأ بالنون فيهما أي: نتحارس ويحفظ بعضُنا بعضاً.
وقرأ أبو جعفر ونافع بالياء إخبارا عن يوسف، أي: يرعى الماشية كما نرعى نحن.
{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
{قَالَ} لهم يعقوب، {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} أي: يحزنني ذهابكم به، والحزن ها هنا: ألم القلب بفراق المحبوب، {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} وذلك أن يعقوب كان رأى في المنام أن ذئبا شدَّ على يوسف، فكان يخاف من ذلك، فمن ثم قال هذه المقالة.
{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} عشرة، {إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} عجزة ضعفاء.
{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} أي: عزموا، {أَنْ يَجْعَلُوهُ} يلقوه، {فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}.
هذه الواو زائدة، تقديره: أوحينا إليه، كقوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ} [الصافات- 103] أي: ناديناه، {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} يعني: أوحينا إلى يوسف عليه السلام لتصدقنّ رؤياك ولتخبرنّ إخوتك بصنيعهم هذا وهم لا يشعرون بوحي الله وإعلامه إيَّاه ذلك، قاله مجاهد.
وقيل: معناه: وهم لا يشعرون يوم تخبرهم أنك يوسف، وذلك حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون.
وذكر وَهْبٌ وغيره: أنهم أخذوا يوسف عليه السلام بغاية الإكرام وجعلوا يحملونه، فلما برزوا إلى البرية ألقوه وجعلوا يضربونه فإذا ضربه واحد منهم استغاث بالآخر فضربه الآخر، فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يصيح: يا أبتاه لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء، فلما كادوا أن يقتلوه قال لهم يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه، فانطلقوا به إلى الجُبِّ ليطرحوه فيه، وكان ابن اثنتي عشرة سنة- وقيل: ثماني عشرة سنة- فجاؤوا به إلى بئر على غير الطريق واسعة الأسفل ضيقة الرأس. قال مقاتل: على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام. وقال كعب: بين مدين ومصر. وقال وهب: بأرض الأردن. وقال قتادة: هي بئر بيت المقدس فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال: يا إخوتاه رُدّوا عليّ القميص أتوارى به في الجب، فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والكواكِبَ تواريك، قال: إني لم أرَ شيئا، فألقوه فيها.
وقيل: جعلوه في دلو وأرسلوه فيها حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها.
إنهم لمّا ألقوه فيها جعل يبكي فنادوه فظن أن رحمةً أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه، فمنعهم يهوذا وكان يهوذا يأتيه بالطعام، وبقي فيها ثلاث ليال.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا} الأكثرون على أن الله تعالى أوحى إليه بهذا وبعث إليه جبريل عليه السلام يؤنسه ويبشره بالخروج، ويخبره أنه ينبئهم بما فعلوه ويجازيهم عليه وهم لا يشعرون.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ثم إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف عليه السلام.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8